تعكس تصريحات المسؤولين الإيرانيين لأول مرة، ضعفا وتضاربا في المواقف حول التطورات المتلاحقة في المنطقة خصوصا في سوريا.

ولم يشهد المتابع مثل هذا الضعف والتضارب، حتى في أضعف حالات النظام داخليا، لاسيما عام 2009، عندما واجه خروج ملايين المواطنين إلى الشوارع والهتاف ضد القيم الثورية الخمينية وذلك بعد إعلان أحمدي نجاد فائزا في الانتخابات الرئاسية آنذاك أمام منافسه المباشر مير حسين موسوي بعد "تزوير كبير"، حسب رواية المعارضة.

حينها خرج ثلاثة ملايين إيراني في شوارع العاصمة طهران، وهتفوا بشعارات غير مسبوقة لم يتمكن المرشد خامنئي من تبرير المشهد الخطير على مستقبله إلا بالبكاء عبر منبر صلاة الجمعة التي أقامها في خضم المظاهرات.

كان ذلك البكاء ضمن حديث له عن مرضه ليكسب تعاطف الموالين له، وقد خرج النظام سالما من تلك الأزمة الداخلية الكبيرة، وساعدته في ذلك عوامل خارجية، مثل لامبالاة الإدارة الأميركية بقيادة الرئيس الديمقراطي الأسبق باراك أوباما، كما يقول المحتجون الإيرانيون. بالإضافة إلى القمع المفرط الذي مارسه النظام ضد المحتجين والذي وصل إلى اغتصاب النساء والرجال المعتقلين في السجون وإعدامات علنية في الشوارع لبث الرعب بين المواطنين، بل إن خامنئي قام بسجن قادة معارضيه بعد ذلك مثل موسوي وكروبي في إقامات جبريه لا تزال مستمرة حتى اليوم.

تكررت الأزمة عينها في ثورة عام 2022 التي أطلق عليها أصحابها "انتفاضة المرأة، الحياة، الحرية" بعد مقتل الفتاة مهسا أميني على يد "شرطة الأخلاق". وأطلق المحتجون في شتى أنحاء إيران هتافات طالبت بإسقاط النظام استهدفوا فيها المرشد وطالبوا بموته. تلك الاحتجاجات هزت كيان النظام لدرجة أن بعض قادة "محور الممانعة" في لبنان والعراق واليمن أحسوا بها وعبروا عن قلقهم في جلسات خاصة وعامة حول خشيتهم من سقوط النظام.

كان المتوقع خلال السنوات الماضية أن يسقط النظام الإيراني على يد شعبه أو عبر تدخل عسكري أميركي، لاسيما في فترة دونالد ترامب الذي قتل قاسم سليماني وهو أكبر قائد عسكري مؤثر للنفوذ الإيراني في الشرق الأوسط، ليعقبه انحلال المجموعات الموالية لطهران في العراق ولبنان واليمن وحتى سوريا.

لكن المفاجئ في ما حدث هو العكس وذلك بفضل "عمليات حماس" في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) من العام الماضي، ضد إسرائيل، حيث نشهد دمارا شاملا لأجنحة إيران في بلدان "الممانعة" التي طالما تفاخر بها النظام ووصفها بعواصم خاضعة لإيران بدءا من حزب الله في لبنان ثم سقوط بشار الأسد في دمشق السورية.

والمتفق عليه أن هذا التطور والمنعطف التاريخي الذي أطلق عليه البعض "الشرق الأوسط الجديد" لن يكتمل إلا بحدوث تغيير كبير في إيران. وهو التغيير الذي باتت تتوقعه جميع مؤسسات النظام الإيراني ما عدا المرشد، حيث بدا من تصريحاته الأخيرة بعيدا كل البعد عما يدور في المنطقة من تغيير كبير، فهو لا يريد الاعتراف بالهزيمة المدوية، لاسيما وأن أحد مقربيه كان قد أكد أن دمشق أهم لهم من محافظة الأهواز حيث النفط والزراعة والأنهار، لذلك يتوعد خامنئي بعودة سوريا موالية له ولنظامه من جديد. وعود خامنئي سخر منها الإيرانيون قبل غيرهم حيث يرون أنه يسير عكس الواقع الميداني في المنطقة. تحاول الحكومة الإيرانية الأكثر برغماتية منه شرب كأس السم بدلا من المرشد، فهي تؤكد أن "تقرير مصير سوريا بيد شعبها فقط دون تدخل خارجي".

بعد التطورات المتلاحقة في سوريا وقبلها لبنان وما نتوقعه من تحولات في اليمن والمواقف الرسمية المواكبة للحدث في بغداد، والتدهور الاقتصادي والسياسي والاستياء الشعبي الواسع في إيران قد نكون أمام احتمالين لنظام الجمهورية الإسلامية في الفترة القادمة:
الأول- وهو الأقرب: سقوط النظام عبر ضربات إسرائيلية تضعف النظام عسكريا مثلما حدث لبشار الأسد، ويساعده في ذلك خروج الشعب الإيراني إلى الشوارع كما رأينا في الاحتجاجات السابقة فهي ستكون فرصته الأكبر للانتهاء من العقود المظلمة.

والثاني: هو موت خامنئي البالغ من العمر 85 عاما الذي من المؤكد أنه سيحدث تغييرا كبيرا في الشأن الداخلي الإيراني لاسيما وأنه لم يعين حتى الآن خليفة له، الأمر الذي قد يدخل إيران في صراع داخلي ينتهي بفوضى كبيرة تشعلها الخلافات داخل مؤسسة الحكم.

رغم ذلك يبقى الخلاف مستمرا بين المعارضة الإيرانية في الداخل والخارج كما كان في سوريا قبل ظهور أحمد الشرع وهي نقطة الضعف الأكبر في مستقبل إيران ما بعد سقوط النظام. ويبقى السؤال الأهم في كل ما يدور بشأن إيران: ما دور ترامب في الفترة الحساسة المقبلة؟ هل سيبني اتفاقا مع طهران ويستمر نظام الملالي لمصالح غربية ودولية؟ أم إنه ينضم لخطة "الشرق الأوسط الجديد" بلا إيران الثورية؟

مزيد من الأخبار